قبضت الشرطة الأندنوسية على أحد الأندنوسيين وأودعوه السجن وقُدم للمحاكمة ولكنه بقي في السجن حتى هذه اللحظة حيث لم يتمكن القاضي من إصدار أي حكمٍ عليه لقاء التهم التي نسبت إليه رغم اعترافه كاملاً بها.... والقصة برمتها أن أحد الحانوتيين وأهالي بعض الموتى في أحد المقابر الأندنوسية قد رأوا اختفاء بعض الموتى المدفونين في المقبرة وبعد المراقبة شاهدوا رجلاً ينبش أحد المقابر ليأخذ منها الميت، فاتصلوا بالشرطة وقبضوا عليه، وقد اعترف الجاني أمام المحكمة بأنه كان يأخذ هذه الجثث كي يأكلها بسبب فقره وعدم وجود دخلٍ له يقتات منه، فما كان من القاضي إلا أن وقف حائراً في إصدار حكم عليه، فهو لم يقتل أحداً ليستحق الإعدام، وبالنسبة لأكله طعاماً حراماً فمثله مثل غيره الذين يأكلون الخنزير حتى وإن كانوا مسلمين فليس هناك قصاص عليه شرعاً، فما زال القاضي حائراً في الحكم وما زال الرجل قابعاً في السجن وأهل الموتى المأكولون يطالبون بالعقوبة.
تاريخ أكل لحوم البشر :
لم تعرف البشرية طقسًا أكثر شناعة أو هولاً من طقوس أكل لحوم البشر، ولن تعرف..
فهذا الطقس الرهيب والذي لن تجد له مثيلاً في عالم الحيوان قديم قدم التاريخ ذاته، وربما يذكر التاريخ أن أول من مارسوا هذا الطقس هم سكان جزر الكاريب "Caribs" في القرنين الخامس عشر والسادس عشر لدرجة أن التسمية العلمية لأكل لحوم البشر "Cannibalism"مشتقة من اسمهم، إلا أن الدراسات الحديثة تعتقد أن هذا الطقس الرهيب كان يمارس على نطاق أوسع في القبائل الإفريقية، وأنهم من نقلوه إلى جزر الكاريبي مع طقوس سحر الفودو، لينتشر بعد ذلك على نطاق أوسع، حتى أصبحت كل دولة في العالم تحمل في تاريخها بضع صفحات سوداء، تسجل فيها حوادث أكل لحوم للبشر..وقبل أن نحكي قصتنا نؤكد أولاً أن أكل لحوم البشر "Cannibalism" هو أن يأكل بشري جسد بشري آخر لا لشيء إلا للحصول على الغذاء أو كجزء من طقوس ومعتقدات دينية بالية،أما إن كان الغرض منه ممارسة طقوس سحرية، ففي هذه الحالة نتحدث عن آكلي الموتى "Necromancer" وهو طقس آخر لا يقل شناعة، لكن الغرض منه أن يعرف منفذ هذا الطقس النكرومانسر Necromancer" أسرار الموتى، عن طريق أكل أعضائهم..أولا "ألفريد باكر" هو أول آكل لحوم بشر في التاريخ الأمريكي يتم القبض عليه وتوجيه هذا الاتهام له، وقصة "ألفريد" تبدأ من عام 1842..في الحادي والعشرين من يناير 1842 ولد "ألفريد باكر" في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، ليغدو طفلاً وحيدًا هادئ الطباع كما ذكر عنه لاحقًا، حتى أصبح هذا الطفل شابًا، وحتى خاض هذا الشاب الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861 وهو لا يزال في التاسعة عشرة من عمره، ليقضي "ألفريد" الشاب خمس سنوات من أقسى نوات حياته على الإطلاق..فالأهوال التي رآها في هذه الحرب أصابته بنوبات صرع عنيفة أدت إلى تسريحه من الخدمة أخيرًا، فخرج من الحرب محبطًا منهكًا يبحث عن شيء يساعده على النسيان، ليقرر السفر أخيرًا إلى مدينة كولورادو، بحثًا عن الذهب في المناجم مسايرًا لحمى البحث عن الذهب التي اجتاحت الأمريكيين في هذا الوقت.. وفي عام 1873 بدأ "ألفريد" استعداداته للرحلة، لكنه قبل أن يسافر التقى بالزعيم أوراي" الهندي الأحمر الذي كان يلقب بـ"صديق الرجال البيض"،والذي كان يلعب دور الحكيم والخبير الذي يلجأ له من يستعدون لرحلات طويلة، طالبين منه المشورة..وكانت نصيحة الزعيم "أوراي" واضحة وصريحة.. لا تذهب في هذ الرحلة لأن عاصفة ثلجية هائلة ستهب قريبًا، وقد تبتلعكم الثلوج في رحلتكم عبر الجبال..لكن "ألفريد" قرر ومن معه تجاهل هذه النصيحة، ليتحرك فوج مكوّن من ستة رجال
هم "ألفريد باكر" و"شانون بل" و"فرانك ميللر" و"جيمس همفري" و"جورج نون"و"إسرائيل سوان"، في رحلتهم إلى كولورادو..تلك الرحلة التي كانت بداية المأساة.لم يكن هناك خبراء أرصاد جوية في هذا العصر، لكن الزعيم "أوراي" كان يعرف ما يقوله جيدًا، فالرحلة التي بدأها الرجال الستة في فبراير 1874، شهدت واحدة من أعنف العواصف الثلجية في التاريخ على الإطلاق، لدرجة أنه لم تمضِ أيام على بدء الرحلة، قبل أن تنقطع صلة الرجال الستة بالعالم الخارجي تمامًا، وليتوقع الجميع أنهم هلكوا -لا محالة- في رحلتهم المشئومة هذه..ولشهرين كاملين أصبح اعتقاد أن هذه الرحلة لن تعود هو السائد، حتى جاء شهرأبريل من ذات العام، ليظهر "ألفريد باكر" بمفرده قرب مدينة "جانيسون" في كولورادو، حيث استقبله الجميع غير مصدقين لنجاته، وفي ليلة وصوله وبعد بضعة كئوس احتساها في بار المدينة، أعلن "ألفريد" أن كل من كانوا معه في الرحلة.. قد قتلهم بنفسه! بالطبع أصيب الكل بالصدمة وتم القبض على "ألفريد" على الفور، ليردد هو بلا انقطاع أنه اضطر إلى قتل رفاقه الخمسة دفاعًا عن نفسه، بعد أن حاولوا قتله، وهي القصة التي لم يصدقها أحد، خاصة حين بدأت رحلة البحث عن الجثث، والتي انتهت بمفاجأة رهيبة! لقد عثروا على جثث الرجال الخمسة مأكولة!! وبمزيج من الذهول والرعب وجهت إلى "ألفريد" تهمة القتل العمد وأكل لحوم البشر، لتبدأ أغرب محاكمة في التاريخ..ومن طرائف هذه المحاكمة، أن القاضي صاح في وجه "ألفريد" قائلاً: لقد كان في مدينتنا خمسة ديمقراطيين فقط.. ولقد أكلتهم كلهم! و لم ينكر "ألفريد" إطلاقًا أنه أكل جثثهم لإنقاذ حياته، لكنه أصر أنه لم يقتلهم إلا دفاعًا عن نفسه، وإن لم يؤثر هذا على حكم القاضي الذي قال: أغلق أذنيك عن أي همسة أمل أو أي وعد بالحياة واستعد لمواجهة مصيرك الموت..وهكذا حكم على "ألفريد باكر" بالإعدام في أغسطس من عام 1874، وتم سجنه لحين تنفيذ الحكم فيه، لكن "ألفريد" هرب فجأة من سجنه..واختفى..الهارب..لتسع سنوات كاملة عاش "ألفريد" هاربًا مذعورًا، منتحلا اسم "جون شوارتز"،
لكن البحث عنه لم يتوقف لحظة.. وفي النهاية وفي مارس 1883 تم القبض عليه في ولاية "يومينج"، لتتم محاكمته من جديد.. ومرة أخرى لم تتغير اعترافات "ألفريد باكر": قتلتهم دفاعًا عن نفسي..لكنه حكم عليه بالإعدام للمرة الثانية وتم إيداعه أحد السجون تحت الحراسة المشددة ليستأنف هو الحكم في أكتوبر 1885، ويصدر الحكم النهائي عام 1886 بسجنه لمدة 40 سنة.. وهذه المرة لم يحاول "ألفريد باكر" الهرب، بل قضى فترة سجنه في هدوء والتزام لينتهي الأمر بإطلاق سراحه المشروط عام 1901، لينتقل إلى أحد مدن كولورادو؛ حيث اشتهر بطيبة خلقه وهدوء طباعه، وبأنه نباتي!! نعم.. نباتي.. فهو لم يعد يطيق طعم اللحم أبدًا.. وأخيرًا وعام 1907 مات "ألفريد" في هدوء ليدفن في مقبرة المدينة ولينسى الجميع قصته تدريجيًا، وإن حفظتها كتب التاريخ بكل ما حوته من غموض.. ثم ظهرت الحقيقة أخيرًا.. بعد 115 عامًا بالتحديد! الحقيقة.. الحقيقة كانت في عام 1989 على يد الطبيب الشرعي "جيمس ستارز" ومساعده وولتر بيركبي" اللذين قاما بفحص الجثث وفحص الأدلة التي ظلت محفوظة منذ تاريخ الجريمة، ليعلنا في النهاية أن "ألفريد باكر" أكل جثث رفاقه، لكنه لم يقم بقتلهم..
هذه النتيجة النهائية لم تدعم بأدلة حقائق دامغة حتى عام 1994، ففي هذا العام قام "ديفيد بيلي" أحد أوصياء متحف التاريخ في كولورادو بإجراء تحقيق موسع عن هذه الحادثة، ليجد أن أحد رجال القافلة وهو "شانون بل" هو الوحيد الذي قتل رميًا بالرصاص، بينما قتل الباقون بالفأس، التي حين فحصها تأكد من الحقيقة التالية.. شانون بل" هو من قتل رفاقه وحين همّ بقتل "ألفريد باكر"، اضطر هذا الأخير للدفاع
عن نفسه وقتله.. أي أنه لم يكذب طيلة هذه السنوات.. لكن هذا لا يمنع أنه كان آكل لحوم بشر.. أول من عرفهم التاريخ الأمريكي.. والآن -وبطريقة غامضة- حصل أحدهم على رأس "ألفريد باكر" وحفظه ليبيعه إلى
متحف "صدق أو لا تصدق" في ولاية نيو أورليانز، حيث لا يزال يعرض إلى يومنا هذا، شاهدًا على واحدة من أفظع القصص في التاريخ الأمريكي.. بل في تاريخ الحضارة الإنسانية.
أكل البشر في عصرنا اليوم:
عرفت البشرية القتل لأسباب تقليدية كأن يرتبط القتل بسوْرة غضب أو بدافع انتقام أو بقصد السرقة أو السطو أو قطع الطريق أو لدوافع عنصرية ونحو ذلك . أما الذي سنركّز عليه في هذا التحقيق فهو أنماط غير تقليدية لنوع خاص من القتل يصل الإنسان عنده إلى الغاية في الخروج عن الفطرة ، أو ما يمكن أن نسميه "شذوذ الشذوذ" ، إذ يكون القتل من أجل القتل ، بل ومن أجل أن يستمتع القاتل بأكل لحم أخيه في البشرية وشرب دمه ،وتلكم هي الوحشية التي تخجل منها الوحوش ؛ لأن وحوش الغابة إنما تأكل لأنها ذات غريزة تدفعها إلى القتل من أجل البقاء ودفع غائلة الجوع ، فإذا شبعت كفّت ، ثم لا تجد- إلا نادراً- حيوانًا يأكل حيوانًا من جنسه ، أما أن يكون هذا بين بني الإنسان فهذا ما لا يكاد يصدقه عقل ولا خيال . إن الله تعالى لما تكلم عن الغيبة شبهها بأكل لحم الإنسان لأخيه الإنسان ثم بيّن أن هذا شنيع عند بني آدم كافة فقال سبحانه : ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ) ( الحجرات : 12 ) . ولما عاب الشاعر على بني البشر ظلم بعضهم لبعض أتى بهذه الصورة المنفّرة ليزجر الناس عن ذلك فقال :
نعيـب زماننا والعيـب فينا ******** وما لزماننا عيبٌ سوانا
وليس الذئبُ يأكل لحم ذئبٍ ******** ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
فما أصعبه من تصوير وما أفظعه من تشبيه !! أما المصيبة المروّعة والكارثة المفزعة فهي أن يتحول الخيال إلى واقع ، وتستيقظ البشرية على حقيقة مفادها أن هناك بشرًا يأكلون لحم البشر ويشربون دماءهم.
وهناك أسباب عامة لوجود هذه النماذج الشاذة بين البشر نذكر منها:
أولاً : الطقوس اليهودية:
فقد اشتهر اليهود من قديم بتقديم القرابين البشرية بذبحها ومص دمائها أو مزجها في فطائر يأكلونها في مناسبات معينة كعيد الفصح عندهم أو مايسمّى بعيد الفطائر ، وكذا في مراسم ختان أطفالهم . ويزعمون أن تعاليم دينهم تأمرهم بذلك تقرباً إلى إلههم "يهوه" . وقد أثبتت الدراسات أن السحرة اليهود في قديم الزمان كانوا يستخدمون دم الإنسان من أجل إتمام طقوسهم وشعوذتهم . وقد أوضح المؤرخ اليهودي "برنراد لافرار" في كتابه "اللاّسامية" أن هذه العادة ترجع إلى السحرة اليهود في الماضي . ومعلوم أن لليهود عيدين تقدم فيهما الفطائر الممزوجة بالدماء البشرية : الأول : عيد "البوريم" الذي يتم الاحتفال به في شهر مارس من كل عام ، والثاني : عيد الفصح الذي يحتفل به في شهر إبريل . ويتم استنـزاف دم الضحية إما بذبحها كما تذبح الشاة وتصفية دمها في وعاء وإما بوضعها في برميل تثبت في جوانبه إبر حادة تغرس في جثة الضحية بعد ذبحها ، وإما بقطع شرايين الضحية في مواضع متعددة ؛ليتدفق منها الدم الذي يجمع في وعاء ويعطى للحاخام الذي يستعمله في إعداد الفطير المقدس . وفي مناسبات الزواج يقدّم الحاخام للزوجين بيضة مسلوقة مغموسة في رماد مشرّب بدم إنسان ، وفي مناسبات الختان يضع الحاخام أصبعه في كأس مملوءة بالخمر الممزوج بالدم ، ثم يدخله في فم الطفل مرتين وهو يقول : إن حياتك بدمك !! أما الحوادث التي افتضح فيها اليهود بجرائمهم تلك فلا تكاد تحصى ، وهي مسجلة تاريخيًا وتعتبر من أسباب النكبات التي نكب بها اليهود بعد أن باءوا بكراهية الناس واضطهادهم في كل مكان . وسنذكر مثالاً واحدًا على ذلك ، أما من أراد المزيد فليراجع الكتب المعنية بالمسألة ككتاب "اليهود والقرابين البشرية" للأستاذ محمد فوزي حمزة طبعة دار الأنصار بمصر، وكتاب "نهاية اليهود" للأستاذ أبي الفداء محمد عارف طبعة دار الاعتصام بمصر
أما المثال الذي سنقتصر عليه فهو جرائم اليهود في بريطانيا ؛ففي سنة 1144 م وجدت في ضاحية "نورويش" جثة طفل عمره 12 سنة مقتولاً ،وقد استنـزفت دماؤه من جراح عديدة وكان ذلك في يوم عيد الفصح اليهودي مما أثار شكوك الأهالي في أن القتلة من اليهود.وبالفعل تم القبض على الجناة وكانوا جميعًا من اليهود. وفي سنة 1255 خطف اليهود طفلاً من "لنكولن" في أيام عيد الفصح اليهودي وعذبوه وصلبوه واستنـزفوا دمه ، وعثر والداه على جثته في بئر بالقرب من منـزل يهودي يُدعى "جوبين" ، وأثناء التحقيق اعترف اليهودي على شركائه في الجريمة فحوكم منهم 91 ،أُعدم منهم 18 ، وكان الجميع من اليهود . وتوالت جرائم اليهود في بريطانيا حتى كانت جريمتهم سنة 1290 التي ذبحوا فيها طفلاً في "أكسفورد" واستنـزفوا دمه ، مما أدى بالملك "إدوارد الأول" إلى أن يصدر قراره التاريخي بطرد اليهود من بريطانيا . ثم لما عادوا إليها لم تتوقف جرائمهم ، ففي أول مارس عام 1932 تم العثور في إحدي مدن بريطانيا على جثة طفل مذبوح ومستنـزف الدم ، وكان ذلك قبل عيد الفصح اليهودي بيوم واحد ، وتم إدانة يهودي في تلك الجريمة ، ثم اختفت هذه الجريمة تقريبًا من يوم دخل اليهود أرض فلسطين واغتصبوها ، ولعل السر في ذلك هو قدرتهم على تنفيذ جريمتهم البشعة فيمن يعتقلونه من أهل فلسطين في سرية تامة .
ثانياً: عبادة الشيطان :
هذا تعبير عن طوائف موجودة بالفعل تعبد الشيطان وتتقرب إليه بأداء طقوس معينة ، منها القتل والتعذيب والاغتصاب ومص الدماء ، بل وأكل لحم البشر أحياناً . وهناك قصص كثيرة عن عبدة الشيطان الذين يقتلون الضحية بعد تعذيبها ببشاعة واستنـزاف دمها . وهناك قصة أحد هؤلاء الذي اخذ رأس الضحية وغلاه في الماء وأخرج المخ ثم وضعه في صلصة وأكله !! وهناك قصة الشاب الأمريكي "داميين إيكولز" الذي كان يبلغ من العمر 19 سنة والذي قتل مع زميلين له من عبدة الشيطان ثلاثة أطفال مدارس سنة 1993 بمدينة ممفيس الغربية بولاية تكساس ، وقد دلت التحقيقات على أنهم اغتصبوا الأطفال الثلاثة أثناء طقوس عبادة الشيطان ثم قتلوهم وشوّهوا جثثهم وقطعوا أعضاءهم التناسلية . صورة المعروضه هي لأحد عبدة الشيطان وهو الأمريكي داميين إيكولز وقد حكم على الثلاثة بالسجن مدى الحياة . ومن عبدة الشيطان أيضًا السفاح الفرنسي "نيقولاس كلوكس" الملقب بمصاص دماء باريس ،كان يعمل حانوتياً وسنّه 22 سنة ، ونظراً لممارسته طقوس عبادة الشيطان كأن يأكل الجثث ويشرب الدماء مخلوطة برماد الموتى الذين يتم حرقهم . وقد وجدت الشرطة الفرنسية في شقته بقايا أجساد بشرية وأكياس دم وأوعية بها رماد الموتى ، وبالقبض عليه اعترف بأنه كان يستمتع بالتقرب إلى الشيطان بأكل مقاطع طولية من جثث الموتى الموضوعة في مشرحة المستشفى ، وبأنه كان يحفر القبور الحديثة ويأخذ قطعًا من لحمها لأكله .
وفي إفريقيا حيث السحر الأسود يرتبط أكل لحوم البشر بطقوس السحر والتقرب إلى الشياطين . وقد تم القبض في "لاجوس" بنيجيريا أخيراً على السفاحين الرهيبين "كليفورد أورجى " و "تاهيرو" بعد سنين طويلة مارسا فيها قتل الضحايا تحت أحد الجسور قرب مطار "لاجوس" في كوخ وجدت به بقايا لحوم بشرية مشوية . ويُعتقد أنهما كانا يبيعان أعضاء الضحايا لأصحاب الطقوس الشيطانية وعبدة الشيطان . وكانا يتوصلان إلى اصطياد ضحاياهما عن طريق عمل حفرة في الأرض ثم تغطيتها بشيء فإذا سقطت فيها الضحية أجهزا عليها. ويقول السفاح "أورجى" إنه قدم من أمريكا لممارسة ذلك ، وإنه كان يركز على اصطياد الفتيات الجميلات ، وأحياناً كان يقابل الواحدة منهن فينفخ في وجهها بأمر الأرواح الشيطانية فتتبعه الضحية بلا مقاومة ، أما المجرم الثاني فكان يقوم بذبح الضحية وسلخها وتقطيعها . أما عدد ضحاياهما فغير معروف ولكن يعتقد أنه كبير جداً نظراً لبقائهما سنين طويلة يمارسان جريمتهما البشعة من غير أن يكتشف أمرهما أحد .
ثالثاً : الخمر:
الخمر أم الخبائث ، ومفتاح جميع الجرائم ويكفيها جرماً أنها تغتال عقل الإنسان فتجعله أحط من الحيوان . روى النسائي عن عثمان رضي الله عنه قال : " اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل ممن كان قبلكم عبْد فعَلِقَتْهُ - أي عشقته - امرأة غويّة ، فأرسلت إليه جاريتها فقالت له : إنا ندعوك للشهادة ، فانطلق مع جاريتها ، فطفقت كلما دخل بابًا أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية - زجاجة - خمر ، فقالت : إني والله ما دعوتك للشهادة ، ولكن دعوتك لتقع عليّ ، أو تشرب من هذه الخمر كأساً ، أو تقتل هذا الغلام . قال فاسقيني من هذه الخمر كأسًا ، فسقته كأساً ، قال : زيدوني ، فلم يَرِمْ - أي فلم يلبث - حتى وقع عليها ، وقتل النفس " . وهكذا فالخمر إذا شُربت في مجتمع آذنت بتفشي كل الجرائم فيه .
ولذا حاول الغرب منعها بكل سبيل ولكن دون جدوى ، بل قامت الحكومة الأمريكية في أوائل هذا القرن بحملة لمنع الخمر وأنفقت عليها عشرات المليارات ، ولكن حملتها باءت بالفشل الذريع ؛لأن التحريم إذا لم يكن بوازع من ضمير الفرد وبوحي من عقيدته التي يدين بها فلن تفلح أي محاولة لإقناعه بالكف أو الامتناع . وعادت الخمر ليكتوي بنارها الشعب الأمريكي وليتجرع مرارة الجرائم التي تفوق كل تقدير حتى قارب عدد المسجونين والمحتجزين في أمريكا في العام الماضي ما يقارب المليونين. وليس الأمر في الاتحاد السوفيتي البائد بأحسن حالاً ؛ لأن "الفودكا" عند الروس تكاد تكون أهم من الطعام والشراب ؛ ولذا فالجريمة عندهم متفشية وسنفرد هذا المثال للتدليل على وقوف الخمر وراء الجريمة في روسيا ،حيث قامت امرأتان - وهما " فالنتينا" و"فيتالي"- من مدينة "مانتوروفو" الواقعة على نهر "الفولجا" بروسيا بتفحّص عشيق لهما بعد شربهما الخمر معه ، لأنهما شعرتا بالجوع وأرادتا أكل اللحم ، فلما وجدتاه نحيفاً جدًا ألقتاه خارج البيت ، ثم اتجهت أعينهما إلى عشيق آخر سمين بعض الشيء ، فأخذتاه إلى المطبخ وهو في ذروة السكر فضربتاه ببلطة ، وقطعتا رأسه ، ثم قطعتا جسمه إلى قطع صغيرة ، وأخذتا من فخذيه وردفيه قرابة ثمانية كيلوجرامات من اللحم ، وبدأتا في طبخه ، ولما فاحت رائحة اللحم المطبوخ قدم شريك لهما في السكن ليشاركهما في الوجبة غير المعتادة ، ولم يدر المسكين أن اللحم إنما هو لحم إنسان . ولما أبدى ملاحظته في أن اللحم يابس وغير عادي طمأنتاه بأنه لحم كلب ضال ، ولكن كانت المفاجأة أن اللحم كان لحم أخيه الذي كان ضيفاً عنده في سكنه . وقد أكّد هذا الكلام ابن "فالنتينا" البالغ من العمر أربعة أعوام بقوله : لقد قتلت أمي رجلاً وقدمت لحمه لضيوفها . وهكذا تفعل الخمر في شاربيها.
رابعًا: الحقد الطبقي :
إذا كان الحسد هو الذي جعل إبليس عليه لعنة الله يستكبر عن أن يسجد لآدم ، وهو الذي دفع قابيل إلى أن يقتل أخاه هابيل ظلماً وبغياً ؛ فليس عجيباً أن يقف وراء جرائم قتل كثيرة يرتكبها الإنسان ضد أخيه الإنسان. وقد حذر الإسلام من الحقد والحسد وداوى آفات القلوب بعطف الأغنياء على الفقراء ، وجعل في أموال الأوّلين حقاً معلوماً للآخرين ، إلا أن المجتمعات المادية تركت الهوّة تتسع بين الفريقين دون تراحم بينهما، فلا الأغنياء عطفوا على الفقراء ولا الفقراء سلمت قلوبهم للأغنياء . وليتهم عرفوا الإسلام ، إذ ستبقى الهوة قائمة مالم يحكم الإسلام بين الفقراء والأغنياء ، بل ستبقى الجرائم التي يزجيها حقد الفقراء على الأغنياء . ونسوق مثالاً على هذا أسرة "شيجون" بكوريا الجنوبية ،التي تخصص أفرادها في قتل الأغنياء وأعلن كبيرهم "كي هوان" حقده على جميع الأغنياء ، بل اعترف أحد أفراد العصابة الإجرامية بأنه كان يأكل من لحم الضحايا الأغنياء لكي يعطيه ذلك شجاعة أكثر وأكد أنه يتبرأ من بشريته .وهكذا يفعل الحقد بالإنسان .
خامساً : الساديـّة الجنسية :
هذه طبائع تدل على أن الإنسان فريد حتى في شذوذه ، وعندما يستبد المرض بقلبه وفطرته فلا نهاية لانحرافه ، ولا يستطيع القلم وصف وحشيته التي لا تدانيها وحشية الوحوش أنفسهم ، ولا أدلّ على ذلك من أن تصير منتهى لذة الإنسان أن يعذب إنساناً مثله . والأكثر شذوذاً أن يتلذذ الإنسان بأن يعذبه غيرُه. ويُحكى أن مواقع الإباحية على الإنترنت تفسح المجال لأصحاب هذه الطبائع الخارجة عن كل فطرة سوية ، وتعطيهم الحق في أن يتلذذوا جنسياً بأن يمارسوا التعذيب أو أن يمارس بهم . أيّ جناية على الإنسانية يقترفها هؤلاء المفسدون ؟ إلى هؤلاء ومن هوى إلى مستنقعهم نسوق مثالاً على النهاية المفجعة التي تنتظر المنحرفين الشاذين،وهو السفاح الأمريكي "جريي هيدنك" الذي كان يجلب البغايا إلى منـزله ويقيدهن في طابق تحت الأرض بالسلاسل ويغتصبهن كعبيد ، وكان يطعمهن لحم الكلاب المعلّب . ولما ماتت اثنتان منهن قطع لحم إحداهما وأكل بعضه وأطعم الأخريات منه ,وكان يمارس تعذيبهن عاريات سواء بالتعليق في السقف من الأيدي ، أو بالصعق الكهربائي ، ثم اكتشف أمره ، وتم القبض عليه وأعدم عام 1999 . فما رأْي شياطين "البورنو" الذين يروّجون حتى لأمثال "هيدنك" ؟!
نماذج لأشهر أكلة لحوم البشر:
لقد عُرفت في تاريخ الجريمة الحديث أسماء حفرت نفسها في تاريخ الإجرام الأسود الذي يمثل وصمة عار في تاريخ البشرية بكامله والحضارة المعاصرة بخاصة، وسنسوق إليك بعضاً من أشهر هذه الأسماء في حدود العشرين اسماً فقط، ونرجو أن تحبس أنفاسك وأنت تقرأ هذه الشناعات.
1. جورج كارل جروسمان:
سفاح ألماني فاتك شارك في الحرب العالمية الأولى ، وكان يعمل في السابق جزاراً ، ثم مارس القتل وبيع لحم البشر ، كان يجلب البغايا إلى مسكنه ثم يشرب الخمر مع الواحدة منهن ثم يقتلها ويقطعها ويبيع لحمها على عربة يد على أنه لحم بقر أو خنـزير ، وذات يوم في أغسطس عام 1921 سمع مالك العقار الذي يسكن فيه "جروسمان" صوت شجار واستغاثة داخل شقته ؛ فأبلغ الشرطة فلما اقتحمت الشقة وجدت فتاة مذبوحة على وشك أن تقطع ، ووجدت أيضاً بقايا ثلاث جثث أخريات ؛ فقبض عليه وحكم عليه بالإعدام ولما علم بالحكم ضحك ، وبادر بشنق نفسه في سجنه وقد بلغ عدد ضحاياه ما بين 12 ، 13 امرأة .
2. فريتس هارمان:
يلقّب بجزار "هانوفر" في ألمانيا . فاقت وحشيته كل المقاييس كان مدمنًا للفاحشة في الصبيان الصغار مع قتلهم وتعذيبهم ، وكانت متعته أن يعض الطفل حتى يفارق الحياة وأن يمصّ دمه كذلك .
كان يجلب الصبيان إلى بيته بالتجول في محطات القطار ، وبعد قتلهم كان يصنع السجق من لحمهم ويبيعه في محل جزارة . بلغ عدد ضحاياه ما بين 27 طفلاً ، 50 طفلاً . اكتشف أمره عام 1924 ،وقتل بحد السيف . ونظراً لطبيعته الشاذة أخذ مخه للجامعة ليدرس عضوياً .
3. كارل دينكي :
ألماني من "سيليسيا" ،كان صاحب فندق. قتل من نزلاء فندقه على مدار سنوات ما لا يقل عن ثلاثين ، وكان يحتفظ ببقاياهم في طابق تحت الأرض أسفل فندقه ليأكل منها حسب حاجته .قبض عليه عام 1924 ، واعترف بجرائمه، وأخبر البوليس بأنه على مدار ثلاث سنوات لم يأكل إلا لحم البشر فقط !!!
4. بيتر كيرتن :
سفاح ألماني ومصاص دماء كان يلقب بسفاح "دوسلدورف" . كان يغتصب الضحية ثم يقتلها ، ويستمتع بشرب دمها وأكل لحمها .
حكم عليه بالإعدام ، فقال: بعد موتي سأستمتع بسماع صوت دمي وهو يتدفق من عنقي . أعدم عام 1931 .
5. ألبرت فيش :
سفاح أمريكي رهيب . كان مغرمًا بالسفّاح الألماني "فريتس هارمان" .
ارتكب جرائمه في نيويورك ، وكان يعتبر إيلام الآخرين غايته العظمى ؛ ولذا كان يستدرج الضحية ويقتلها ويستمتع بأكل لحمها ، وكان يرسل خطابات إلى أهلها يخبرهم عن لذة لحمها . وذات يوم قتل فتاة وقطعها قطعاً صغيرة وأخذ يأكل لحمها لمدة عشرة أيام ثم أرسل إلى أهلها يشكرهم على لذة لحمها ويخبرهم بأنها ماتت عذراء !! وكان يقول إن آخر أمنياته أن يموت على الكرسي الكهربائي .
وبالفعل تم القبض عليه وأعدم عام 1936 .
6. إيد جين :
يضرب به المثل في الوحشية ، ويعتبر ملهمًا لكثير من أفلام الرعب الأمريكية . إنه سفاح تكساس الأشهر "إيد جين" الذي كان يقتل النساء ويقطعهن و يأكل لحمهن , وكان يصنع من جلودهن ثياباً ومن عظامهن كراسي ومن جماجمهن أوعية ، وكان يعلق الجثة بعد قتلها كالذبيحة . ولما اكتشف أمره اقتحمت الشرطة مزرعته التي سميت بمزرعة الموت ، وكانت رائحة الجيف والموت تفوح في كل مكان فيها. قبض عليه في نوفمبر 1957 ، فحوكم وأعدم .
.7ستانلي دين بيكر:
أمريكي ضبط ذات يوم في كاليفورنيا في حادث عادي فصاح في وجه رجال البوليس قائلاً : أنا عندي مشكلة ، أنا من أكلة لحوم البشر . وأخرج من جيبه حفنة من الأصابع البشرية يتخذها كوجبة طعام خفيفة . ولما بدأت الشرطة التحقيق معه في جرائمه اعترف متباهيًا بأنه أكل قلب أحد ضحاياه نيئاً . كما اعترف بأنه كان يطوّر طعم اللحم بإخضاع ضحاياه لجلسات الصعق الكهربائية قبل قتلهم .
8. روبن جيشت :
زعيم عصابة من شيكاغو قتلت 18 امرأة ما بين عامي 1967 ، 1969 ،وكان أفراد العصابة يخطفون المرأة ويبترون جزءاً من صدرها ثم يقطعونه إرباً ويأكلونه ، بينما زعيمهم يتلو عليهم مقاطع من التوراة !! وقد قبض على العصابة وأعدم أعضاؤها . ونظرًا لنقص الأدلة في حق زعيم العصابة "روبن جيشت" حكم عليه بالسجن 120 سنة !!
9. إيد كيمبر :
سفاح من كاليفورنيا . كان يمثل دور القتل وهو صغير ،فيقوم بقطع رقاب الدُّمى التي تلعب بها أخته . ولما كبر قتل عشر نسوة منهن أمه وعشيقته ، وكان يمثل بالجثة فيقطع رأسها ويغتصبها ويحتمل أنه كان يأكل لحمها .
ولما قبض عليه عام 1972 أكد الطبيب أنه شخص سليم ؛ وبالتالي فهو مسؤول عن جرائمه التي بدأ في ارتكابها وسنّه 15 سنة. وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1973 .
10. جوكييم كرول :
ألماني قتل 14 على مدار عشرين سنة ، وبدأ منذ ضحيته السادسة في منتصف الستينيات يتذوق طعم اللحم البشري . وفي يوليو سنة 1976 اقتحم البوليس شقته ووجدوا بها أكياساً من البلاستيك مليئة باللحم البشري موضوعة في ثلاجة . ووجدوا على موقد مطبخه وعاءً يغلي بهدوء به خليط من الجزر والبطاطس مع يد لطفلة صغيرة مفقودة .
خاتمة :لماذا يتوحشون ؟
كيف عالج الإسلام الجريمة قبل وقوعها وبعده؟
لا شك أن كل انحراف في سلوك الإنسان يدل على مرض أو علة كامنة في قلبه ، أو كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم :" ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه ،وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ، ألا وهي القلب " (متفق عليه) . فإذا رأينا اعوجاجاً في السلوك فلنلتمس أصله في مرض النفس والقلب . وكلما زاد المرض اتسعت زاوية الانحراف في السلوك حتى يصل إلى مستوىً يموت فيه الضمير ويتبلّد فيه الإحساس ، حتى يصير الإنسان مستعدًا لفعل أي شيء بلا وازع ولا ضمير ، كأنه سيارة فائقة السرعة بلا كابح ،فلا يمكن التحكم في سرعتها. وهنا يصدق فيه قول الملائكة : ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ( البقرة /30) وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ماشئت. " (رواه البخاري) . والمعنى : إذا لم يكن لديك أيها الإنسان حياء من الله فسيصير بك الحال إلى أن تفعل أي شيء مهما كانت شناعته .
ولذا فعلاج الجريمة أيّاً كان نوعها يكون -أول ما يكون - بمنع الأسباب المؤدّية إليها في النفس البشرية التي إذا مرضت سهّلت الجريمة ، وهذا معنى قوله تعالى في جريمة القتل : ( فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ) ( المائدة: 30) . وقد جاءت هذه الآية في سياق قصة القتل الأولى على ظهر الأرض عندما قتل قابيل أخاه هابيل حسداً له وبغياً عليه فصار من الخاسرين ؛لأنه قتل نفساً بغير حق ، فاستحق العقوبة في الدنيا ، وتعرض لعذاب الله وغضبه في الآخرة ؛لأنه صار يتحمل شيئًا من وزر كل قتلٍ بغير حق يرتكب بعده إلى يوم القيامة ؛ لأنه رائد هذا الباب . وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ - أي نصيب _ من دمها ؛ لأنه أول من سنّ القتل ) . ( متفق عليه ).
وهكذا عالج الإسلام الجريمة في النفس البشرية قبل وقوعها بالفعل ، ثم حذّر منها وبيّن عقوبتها الرادعة في الآخرة. قال تعالى : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ) (النساء /93) . وقد جعل الله تعالى جريمة القتل أفظع الجرائم بعد الشرك به سبحانه فقال : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق..) (الفرقان /68) ،وقال النبي صلى الله عليه وسلم " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجلٍ مسلم " ( رواه الترمذي والنسائي) ؛ لأن من قتل نفساً بغير حق يكون كمن قتل البشرية كلها بغير حق ؛ لأنه يكون قابلاً لذلك ، بينما من عظّم حرمة النفس البشرية يكون كمن أحيا البشرية كلها لأنها ستسلم من شره غالباً. قال تعالى : ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) (المائدة /32)، ثم بين سبحانه العقوبة الرادعة للقتل وبخاصة الذي يقترن بالسعي إلى الفساد في الأرض ،فشرع حدّ الحرابة ، وهو من أشد أنواع الحدود صرامة ؛ لأن العقوبة في الشرع تتكافأ مع الجريمة . ومع أن الأصل في جريمة القتل هو القصاص كما في قوله تعالى : ( ولكم في القصاص حياةٌ ياأولي الألباب لعلكم تتقون ) (البقرة/179)، إلا أن حد الحرابة ذهب إلى أبعد من ذلك ، فتضمّن الصلب ، وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ، نكالاً من الله بالمفسدين ، قال تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا ، أن يُقتّلوا أو يُصلّبوا أو تُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفَوْا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) ( المائدة /33) .
فأين من ذلك تهاون القوانين البشرية مع جريمة القتل حتى وصل الحال ببعض الدول إلى أن ألغت عقوبة الإعدام ، كما هو الوضع الآن في بريطانيا وغيرها ؟! إن الجاني إذا علم أنه سينجو من القتل فلن يردعه رادع عن جريمته، وهذا جهل بالفطرة البشرية سيجعل تلك المجتمعات تدفع ثمنًا غالبًا لتشريعاتها الوضعية وسيزيد أزمة الحضارة المعاصرة التي شذّت عن كل معيار ديني وأخلاقي .
الجريمة في ضوء أزمة الحضارة المعاصرة
قال الدكتور ألكسيس كاريل في كتابه " الإنسان ذلك المجهول ": "إننا ضحايا تخلّف علوم الحياة مقابل علوم المادة". هذه العبارة على وجازتها تلخص أزمة الحضارة المعاصرة التي شيد بناؤها على المادة لا غير، والتي ولّت ظهرها إلى الروح ولم تعطها بالاً ، فكانت النتيجة أن أفرزت مجتمعات شاذة ذات أخلاق منحطة يعيش فيها الإنسان إما آكلاً أو مأكولاً ، فإذا لم يكن ذئباً أكلته الذئاب ، وهذا ماأدى إلى سيادة الأنانية وانعدام الرحمة وتدنيّ الأخلاق وذهاب القيم ، وفشوّ الفاحشة الذي يفوق كل خيال. حقا لقد تفوقت الحضارة الغربية في كل شيء حتى في شذوذها وانحطاطها ، وهذه الحقيقة لن يخفيها أن تتجمل الحضارة المعاصرة بأشكال براقة من التمكن المادي والرفاهية الشكلية التي لن تجعل الإنسان سعيداً ما دامت نفسه مريضة ، ولن تعطيه الاطمئنان في مجتمع لا أمان فيه ، إذ أنىّ له الأمان وقد ضاع منه الإيمان ؟! ولو استعرضنا الإحصائيات التي تبين معدلات الجريمة في الغرب لوجدناها خير برهان على هذا الكلام . فالحق أن انهيار الحضارة الغربية آت لا محالة ، وما هي إلا مسألة وقت حتى تجف ورقة التوت التي تستر عورة تلك الحضارة. وعما قريب ينقطع حبل البراجماتية الواهي الذي يتعلق به أهلها ، فلولا أن احترام الفرد للفرد ضرورة للوجود عندهم لما احترم أحدٌ أحداً ولما أبقى عليه.
أكل البشر في الأسلام:
أولا: المطابقة في تمثيل المغتاب بآكل الميتة:
قال تعالى: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات:12]، إنه مثل ضربه الله جل وعلا للذي يغتاب الناس وينهش أعراضهم، مثله ربنا بالذي يأكل لحم إنسان ميت. وهذا المثل الذي ضربه الله سبحانه وتعالى فيه مطابقة من حيث التمثيل فهو تمثيل بديع جداً، فكما أن الإنسان عندما يموت لا يحس بمن ينهش لحمه لغياب روحه عن جسده، فكذلك الشخص الذي يُغتابُ ويُنهشُ عرضُه غير موجود، ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، لأنه غائب كما أن الميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه، لأن روحه قد فارقت جسده. وكما أن الميت يعجز عن رد آكله، فكذلك الذي يغتاب يعجز عن رد من يغتابه. والذين يأكلون لحوم البشر يتفكهون ويتلذذون بأكلها حسب مزاجهم الفاسد، كذلك أصحاب المزاج الفاسد من البشر الذين يغتابون الناس أيضاً يتلذذون ويتفكهون بنهش أعراض البشر.
ثانيا: تحريم الغيبة:
لأن أكل لحم الموتى حرام، بل هو كبيرة من الكبائر، ولاحظ أن المثل يشمل أشياء كثيرة جداً، ليست البلاغة هي الموجودة فيه فقط، وإنما -أيضاً- الحكم، لأن المشبه يأخذ حكم المشبه به، فالمشبه به هنا أكل لحم الموتى، وأكل لحم الموتى حرام، وهو كبيرة من الكبائر، ولذلك أيضاً الغيبة حرام، وقال بعض العلماء: إنها كبيرة من الكبائر، لأن الله مثلها وشبهها بأكل لحم الميت وهو من الكبائر، والفائدة الأخرى أيضاً: تشنيع هذه الصورة في نفوس المؤمنين، فمن فوائد هذا التشبيه أن نفس الإنسان المسلم تكره سماع الغيبة وتكره الاغتياب، لأنها تسمع هذا التمثيل البشع: يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]. فهذه الأمثال- أيها الأحبة- لا يعقلها إلا العالمون، والله أمرنا أن نتدبر الأمثلة، فقال تعالى: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:25] لعلهم يتفكرون، لأولي الألباب وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43].