إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرو ر أنفسن ا وم ن
سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى
آله وصحبه وسلم تسليمًا.
فإن من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى الصدقة على الفقراء والمحت ا ج ي ن ،
وهي دليل على صحة إيمان العبد ب ر ب ه ، ويقينه بأن الرزق بيد الله تعالى وح د ه ،
( قال تعالى : " قُلْ من يرزقُكُم من السماوات والْأَرضِ قُلِ اللَّه .. ( ٢٤
فالمال ميال بالقلوب وحاجب لها عن رؤية ما ينتظر العبد من ج ز ا ء ، وحاجب لها
عن رؤية ما لله تعالى من نعم ومنن عليه تستوجب ا ل ش ك ر ، عنِ ابن عباسٍ رضي
ا لله عن ه قَالَ :قال رسول الله صل ى الله عليه وسل م : "في ابن ادم ستُّون وَث َ لاثُمئَه
س َ لا مى ، أو عظْم ، أو مفْصلٌ ، عَلى كُلِّ واحد في كُلِّ يومٍ صدَقة ، كُلُّ َ كلمة َ طيب ة
صدَقةٌ ، وعون ال ر جلِ أ َ خاه صدَقةٌ ، والشَّربةُ من اْلماء يسقيها صد قَ ٌ ة ، وإِما َ طةُ
. الأذَى عنِ الطَّرِيق صدَقةٌ
والمؤمن يدرك قيمة التكافل وأنه لا يعيش لنفسه فقط وأن عليه أن يعطي ا ل ف ق ر ا ء
والمحتاجين من مال الله الذي هو مستخلف ع ل ي ه ، قال تعال ى : " آ منُوا بِاللَّه
ورسولِه وأَْنفقُوا مما جعَلكُ م م سَتخَْلفي ن فيه فَالَّذي ن آ منُوا منْكُم وأَنْفَقُوا لَهم أَج ر َ كِبي ر
عن أبي سعيد الخدري قال:بينما نحن م ِ ع رسول الله صلَّى اللَّه ، (٧)
عَليه وسلَّم في سفر؛ إذ جاء رجل على ناقة له،فجعل يصرِفُها يمينًا وشما ً لا، فقا ل
رسول الله صلَّى اللَّه عَليه وسلَّم :" من كان عنده فَضل ظَهرٍ ؛ فليع د به على من لا
3
ظهر له. ومن كان عنده فَضلُ زاد؛ َفلْيعد به على من لا زاد له "، حتى ظننا أنه لا
. حقَّ لأحد منَّا في الَف ضلِ
قال الشاعر :
والعاقل هو من ينافس في حب ال خ ي ر ، وفي التصدق على المحتا ج ين ، عنِ اب ِ ن
لاَ حسد إِلاَّ في »: عمر رضي اللهُ عنْهما : عنِ النَّبِ ي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ
اْثَنتَي ِ ن ، رجلٌ آَتاه اللهُ اْلُقرآن فَهو يتْلُوه آنَاء اللَّيلِ وآنَاء النَّ هارِ ، ورجلٌ آتَا ه اللهُ
.« مالاً فَهو يْنفق ه آناء اللَّيلِ وآناء النَّ هار
لذا حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته رجالاً ونساء على ال ت ص د ق ، ع ن أَبِي
هريرَ ة ، قَالَ: جاء رجلٌ إَِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فَقال : يا رسولَ الله
، أَي الصدَقة أَعظَم أَجرا ؟ قَالَ : أَما وأَبِيك َلُتَنبأَنَّ ه ، أَن تَصدقَ وأَنْ َ ت صحيح شَحيح
، تَخْشَى الَْفقْر ، وَتأْملُ اْلبَقاء ، و َ لا َتمهلْ حتَّى إِ َ ذا بَل َ غت الْ حلْقُوم ، قُلْ َ ت : لِفُ َ لانٍ كَذَا
. ، ولِفُ َ لانٍ كَذَا ، وَقد كَان لِفُ َ لانٍ
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صل ى الله عليه
وسلم - في أضحى أو فطر - إلى المصلى ثم انصرف فوع ظ الناس وأمرهم
بالصدقة فقال : أيها الناس تصدقوا فم ر على النساء فقال : ي ا معش ر النسا ء
تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار ... فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن
مسعود تستأذن عليه ، فقيل : يا رسول الله هذه زينب فقال : أي الزيانب ؟ فقيل :
امرأة ابن مسعود ، قال : نعم ، ائذنوا لها ، فأذن لها ، قالت : يا نبي الله إنك
أمرت اليوم بالصدقة ، وكان عندي حلي لي ، فأردت أن أتصدق به ، فزعم ابن
مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
4
. صدق ابن مسعود ، زوجك وولدك أحق من تصدقت ب ه عليه م
والصدقة في الإسلام فضلها عظيم وأثرها عميم ولها أخلاق وآداب .
أولاً : من فضائل الصدقة :
وصف الله تعالى المؤمنين المتقين في أوائل آيات المصحف وفي بداية س و ر ة
البقرة فقال سبحان ه : " الم ( ١) َ ذلِ ك اْل كَتاب لَا ريب فيه ه دى لِلْمتَّقين ( ٢) الَّذي ن
يؤْ منُون بِالَْ غيبِ ويقيمون الصَلا َ ة ومما رزقَْناهم يْنفُقو ن ( ٣) والَّذين يؤْ منُون بِما
أُنْ ِ زلَ إَِليك وما أُنْ ِ زلَ من َقبلك وبِالْآخرة هم يوقنُون ( ٤) أُوَلئِ ك عَلى ه دى من ربهِ م
( وأُوَلئِك هم اْل م ْ فل حو ن ( ٥
فكان من صفات أهل الإيمان واليقين أنهم يؤدون ما عليهم من صدقات وزك و ا ت
ابتغاء مرضاة الله تعالى لان في ذلك هد ى وضياء لهم وسط ظلمات ا ل ح ي ا ة ، ع ن
أبي الحارث بن عاصم الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسولِ الّله صلى الله
عليه وسلم"الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله،
تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر
ضياء، والقرآن حجة لك أو حجة عليك كل الناس يغدو فبائع نف سه فمعتقه ا أو
" موبقها
قال النوو ي : معناه أنه يفزع إليها كما يفزع للبراهين، كأن العبد إذا سئل يو م
القيامة عن مصرف ماله كانت له صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول :
تصدقت به، وقال غيره: معناه أن الصدقة حجة على إيمان فاعلها لأن المناف ق
يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته عل ى قو ة إيمانه والله
. أعلم
5
وقال القزويني : الصدقة برهان على جزم المتصدق بوجود الآخرة وما تتضمنه
من المجازات لأن المال محبوب للنفوس المنصفة بالخواص الطبيعية فلا يقدر على
بذل المال ما لم يصدق بانتفاعها فيما بعد بثمرات ما يبذل ه وفوزه ا بالعو ض
: وحصول السلامة من ضرر متوقع بسبب فعل قرنت به عقوبة . المناوي
روى عن حيوة بن شريح التجيبي، الفقيه، المحدث، الزاهد، وهو من رواة الحديث
الثقات، كان يأخذ عطاءه في السنة ستين ديناراً، فلا يفارق ذلك المكان الذي أخذ
فيه العطاء حتى يتصدق بها جميعاً، فكان إذا جاء إلى منزله وجد الستين ديناراً،
تحت فراشة، فبلغ ذلك ابن عم له، فتصدق لعطائه جميعا أراد أن يفعل مثل حيوة،
وجاء إلى تحت فراشه فلم يجد شيئًا! فذهب إلى حيوة وقال: أنا تصدق ت بك ل
عطائي، ولم أجد تحت فراشي شيئاً، فقال له حيوة: أنا أعطيت ربي يقيناً ، وأنت
أعطيته تجربة. يعنى: أنت كنت تريد أن تجرب، وتختبر ربك، فتصدقت ، لتنظر
النتيجة، وأما أنا فأتصدق وأنا راسخ اليقين بما عند الله عز وجل م ن الجزاء
. والعوض
ولقد كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يحب التصدق والإيثار على نفسه، وكان
يتصدق بقوته ويبيت طاويًا، فأصبح يوماً وليس في بيته غير درهم واحد، فقالت له
زوجته: خذ هذا الدرهم واتر به دقيقاً نعجن بعضه ونطبخ بعضه للأولاد، فإن هم لا
يصبرون على ألم الجوع، فأخذ الدرهم والمزود وخرج إلى السوق، وكان الج و
شديد البرودة، فصادفه سائل فتحوله عنه، فلحقه وألح عليه وأقسم عليه، فدفع له
الدرهم وبقي في هم وكرب، وفكر كيف يعود إلى الأولاد والزوجة بغير شئ، فمر
بسوق البلاط وهم ينشرونه ففتح المزود وملأه من النشارة وربطه وأتى ب ه إلى
البيت فوضعه فيه عل ى غفلة من زوجته ثم خرج إلى المسجد فعمدت زوجته إ ل ى
المزود ففتحته فإذا فيه دقيق أبيض فعجنت منه وطبخت للأولاد فأكلوا وشبعوا
ولعبوا فلما ارتفع النهار جاء أبو مسلم وهو على خوف من امرأته فلما جلس أتته
6
بالمائدة والطعام فأكل، فلما فرغ قال: من أين لكم هذا؟ قالت: من المزود الذي جئت
به أمس، فتعجب من ذلك وشكر الله على لطفه وكرمه.
وعن سعيد الحارثي قال: ضرب الربيع بن خثيم الفالج فطال وجعه فاشتهى لحم
دجاج، فكف نفسه أربعين يوما. ثم قال لامرأته: اشتهيت لحم دجاج منذ أربعين
يوما فكففت نفسي رجاء أن تكف فأبت فقالت له امرأته: سبحان الله وأي شيء هذا
حتى تكف نفسك عنه؟ قد أحله لك. فأرسلت امرأته إلى السوق فاشترت له دجاجة
بدرهم ودانقين فذبحتها وشوتها واختبزت له خبزا له أصباغ، ثم جاءت بالخوا ن
حتى وضعته بين يديه، فلما ذهب ليأكل قام سائل على الباب فقال: تصدقوا عل ي
بارك الله فيكم، فكف عن الأكل وقال لامرأته: خذي هذا فلفيه وادفعيه إلى السائل ،
فقالت امرأته: سبحان الله. فقال: افعلي ما آمرك، قالت: فأنا أصنع ما هو خير ل ه
وأحب إليه من هذا. قال: وما هو؟ قالت: نعطيه ثمن هذا وتأكل أنت شهوتك. قال:
قد أحسنت ائتيني بثمنه. قال: فجاءت بثمن الدجاجة والخبز والأصباغ فقال: ضعيه
على هذا وادفعيه جميعا إلى السائل.قال الربيع لأهله: اصنعوا لي خبيص ا. قا ل:
وكان يكاد لا يشتهي عليهم شيئا. قال: فصنعوه. قال: فأرسل إلى جار له مصاب ،
قال: فجعل يأكل ولعابه يسيل قال: فقال أهله: ما يدري هذا ما يأكل.
. فقال الربيع: لكن الله عز وجل يدري
قال الشاعر :
والصدق ة سب ب ف ي ح ص ول الخير ونزول البركة فالله سبحانه يضاعف لمن أ د ى
حق الله في ماله بأضعاف مضا ع ف ه ، قال تعالى : { مَثلُ الَّذي ن يْنفُقو ن أَموالَهم في
سبِيلِ اللَّه َ كمَثلِ حبة أَْنبتَ ْ ت سبع سَنابِلَ في كُلِّ سنْبَل ة مئَةُ حبة واللَّه يضاعفُ لِم ن
ي َ شا ء واللَّه واسع عليم . الَّذي ن يْنفُقو ن أَموالَهم في سبِيلِ اللَّه ثُم لَا يتِْبعو ن ما
7
{ أَْنَفقُوا منا ولا أَذًى لَهم أَجرهم عنْد ربهِم ولا خَوفٌ عَليهِم ولا هم يحزنُون
وقال سبحان ه : " يمحقُ اللَّه ال ربا ويربِي ال ص دَقات واللَّه لَا ي حب كُلَّ كَفَّارٍ أَثي ٍ م
(٢٧٦)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قا ل الله
. أنفق يا ابن آدم أنفق عليك
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم
يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفاً ، ويقو ل
. " الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً
وعن أَنَسِ بنِ مالِك ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ر أَيتُ لَيلَةَ أُسرِي
بِي عَلى بابِ الْجنَّة مكْتُوبا : ال ص دَقةُ بِعشْرِ أَمثَالِها ، والَْقر ض بَِثماني َ ة ع َ شر . َفقُلْتُ
: يا جِبرِيلُ ، ما بالُ الَْقرضِ أَفْضلُ من الصدَقة ؟ قَالَ : لأَن ال سائِلَ يسأَلُ وعنْده ،
. والْمسَتقْرِض لاَ يسَتقْرِض إِلاَّ من حاجة
عن سعيد الطَّائِ ي ، أَبِي الْبخَْترِ ي ، أَنَّه قَالَ : حدَثني أَبو كَبشَةَ الأَنْمارِ ي ، أَنَّه سمع
رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ : ثَلاَثَ ٌ ة أُقْ سم عَليهِن ، وأُ حدثُكُ م حديثًا
فَاحفَظُوه ، قَالَ : ما نَقَص مالُ عبد من صدَقة ، و َ لا ظُلم عبد مظْلمةً ، َفصبر عَليها
، إِلاَّ زاده اللهُ عزا ، و َ لا فَتَح عبد باب مسأََلة ، إِلاَّ فَتَح اللهُ عَليه باب فَقْرٍ ، أَو َ كلمةً
َنحوها ، وأُ حدثُكُم حديثًا فَاحفَظُوه ، قَالَ : إِنَّما الدْنيا لأَربعة نَفَرٍ : عبد رزَقه اللهُ مالاً
وعلْما ، فَهو يتَّقي فيه ربه ، ويصلُ فيه رحمه ، ويعَلم لِلهِ فيه حقا ، فَهذَا بِأَفْضل الْمَنازِلِ ، وعبد رزَقه اللهُ علْما وَلم ي رزقْ ه مالاً ، فَهو صادقُ النِّي ة ، يقُولُ : لَو أَن
لِي مالاً َلعملْتُ بِعملِ ُف َ لا ٍ ن ، فَهو بِنيته ، فَأَجرهما سواء ، وعبد رزَقه اللهُ مالاً وَلم
ي رزقْ ه علْما ، فَهو يخْبِطُ في مالِه بِ َ غيرِ علْمٍ ، لاَ يتَّقي فيه ربه ، و َ لا يصلُ فيه رحمه
، و َ لا يعَلم لِلهِ فيه حقا ، فَهذَا بِأَخْبث الْمَنازِلِ ، وعبد لَم ي رزقْ ه اللهُ مالاً و َ لا علْما ،
فَهو يقُولُ : لَو أَن لِي مالاً َلعملْتُ فيه بِعملِ ُف َ لا ٍ ن ، فَهو بِنيته ، َفوِزرهما سواء .
8
يقول أبو العلاء:
عن أبي هريرَ ة -رضي الله عنه-، عن النب ي-صلى الله عليه وسلم- قال: "بينم ا
رجلٌ بَِفلاة من الأَر ِ ض إذ رأى سحابةً َفسمع فيها صوتاً: ا سق حديَق َ ة ُفلا ٍ ن، فجاء
ذ؟لِك ال س حا ب، فَأَفْرغَ ما فيه في حرة. قالَ: فاْنتَهيتُ، فإذا فيها أذنا ب شراجٍ، وإذا
شَرج ٌ ة من تلْك الشُّ ر ِ ج قَد اسَتوعبت ال ماء فَسقَتْه، فاْنتَ هي ُ ت إلى رجلٍ قائ ٍ م ي حول الماء بمسحاته في حديَقة، َفقُلْتُ لَه: يا عبد اللَّ ه، ما ا سم ك؟ فقالَ: فلا ن الاس م
الذي سمع في ال سحاب ة قال: كَيفَ َتسأُلني يا عبد اللَّه عن ا س مي؟ قا لَ: إِنِّي
سمعتُ في ال سحاب ة الذي ه؟ذا ماؤُها يقُولُ: ا سق حديَق َ ة ُفلا ٍ ن با س م ك، فأخِبرني م ا
تَصنَع فيها. قالَ: أما إذا قُلْ َ ت ه؟ذا، فإنِّي أَنْظُر إلى ما َ خرج منها، فَأَصدقُ بِثُلُثه،
." وآكُلُ أَنَا وعيالي ثُلَُث ه، وأُعيد فيه ا ثُلَُث ه
والصدقة سبب في حصول السعادة والوقاية من الأمراض والفتن والأحزان ، قا ل
تعالى-: "الَّذين يْنفُقو ن أَموالَهم بِ؟للَّيلِ والنَّهارِ سراً وع َ لانيةً فَلَهم أَ جرهم عند ربهِم
و َ لا خَو ٌ ف عَليهِم و َ لا هم يحزنُون
عن حذَيفةَ -رضي الله عنه- قال: (قال عمر -رضي الله عنه-: أيكم يحفَ ُ ظ حدي َ ث
رسولِ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- ع ِ ن الفتنة؟ قال: قلتُ أنا أحفظُ ه كما قال. قال:
إنَّك عليه َل ج ِ ريء، فكيف؟ قال: قلتُ: فتن ُ ة الرجلِ في أهل ه وول د ه وجارِه تُكفِّ رها
الصلاُة والصدقةُ والمعروفُ قال سليما ن: قد كا ن يقولُ الصلاُة والصدقةُ والأم ر
9
بالمعروف والنهي ع ِ ن المنكر قال: ليس هذه أُريد، ولكنِّي أُريد التي تموج كموجِ
البحرِ. قال: قلتُ ليس علي ك بها يا أمير المؤمني ن بأ س، بينَ ك وبيَنها با ب مغلَقٌ .
قال: فيكْ سر الباب أو يفتح؟ قال: قلت: لا، بل يك سر. قال: فإنه إذا كُسر ل م يغلَق
أبدًا. قال: قلت: أجل. قال فَهِبنَا أن نسأَل ه منِ البا ب؟ فقلنا لمسروق: سلْه . قا ل
فسأََل ه فقال: عمر -رضي الله عنه-. قال: قلنا: فعلم عم ر من تَعني؟ قال: نعم، كما
« أ ن دو ن غ د ليل ً ة. وذل ك أني حدثتُ ه حديثًا ليس بالأغالي ط
قال الشاعر :
عن أَبِي هريرَ ة ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: م ن فَرج عن مسلمٍ
كُربةً من كُربِ الدْنيا ، فَرج اللهُ عنْه كُربةً من كُربِ الآخرة ، وم ن سَتر أَخَاه
اْل مؤْ م ن في الدْنيا ، سَتره اللهُ في الآخرة ، واللهُ في عونِ الْعبد ما َ كا ن الْعبد في
. عونِ أَخيه
رو ي ع ن الحسن رضي الله عنه مرسلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
. داووا مرضاكم بالصدقة
عن الإمام المحدث البيهقي - رحمه جاء في
الله تعالى - أنه قال : ( في هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله - رحمه
الله - ، فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب ، وبقي فيه قريباً من
سنة ، فسأل الأستاذ الإمام " أبا عثمان الصابوني " أن يدعو له في مجلس ه يو م
الجمعة ، فدعا له وأكَثر الناس التأمين ، فلما كان يوم الجمعة الأخرى ألقت امرأ ة
في المجلس رقعة بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله
تلك الليلة ، فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسل م كأنه يقول له ا : "
قولي لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين " ، فجئت بالرقعة إلى الحاكم فأم ر
بسقاية بنيت على باب داره وحين فرغوا من بنائها أمر بصب الماء فيها وطرح
10
الجمد في الماء وأخذ الناس في الشرب ، فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفا ء
وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان وعاش بعد ذلك سنين ) .
أن رجلاً سأل عبد الله بن المبارك - رحمه وجاء في
الله تعالى - عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين وقد عالجها بأنواع العلاج
وسأل الأطباء فلم ينتفع ، فقال له ابن المبارك : ( اذهب واحفر بئرًا ف ي مكا ن
يحتاج الناس فيه إلى الماء فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم ) ففعل
الرجل ذلك فشفاه الله تعالى .
كما أن الصدقة سبب في انشراح الصدر وسرور النف س قال تعالى : " وأَن تَصدُقوا
( خَير َلكُ م إِن كُنْتُم تَعلَمون ( ٢٨٠
وعن عبد الرحم ِ ن حدَث ه أنه سمع أبا هريرةَ -رضي الله عنه- أنَّ ه سمع رسولَ اللهِ
-صلى الله عليه وسلم- يقولُ:"مثَلُ البخيلِ وال منفق كمثَلِ رجلينِ عليهما جبتا ِ ن من
حدي د من ثُديهما إلى تراقيهما. فأما ال منف ُ ق فلا ينفقُ إلا سب َ غتْ أو وَفرتْ على
جلده حتَّى تُخْفي بنانَ ه وتَعفُو أثره. وأما البخيلُ فلا يريد أن ينف َ ق شيئًا إ ّ لا لَزِقَتْ كلُّ
" حلْقة مكاَنها، فهو يوسعها ولا تَّت س ع
قال الخطابي : وهذا مثل ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- للبخيل والمتصدق،
فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما لبس درع يستتر به من سلاح عدوه، فصبها
على رأسه ليلبسها، والدرع أول مايقع على الرأس إلى الثديي ن إل ى أن يدخ ل
الإنسان يديه في كميهما فجعل المنفق كمن لبس درعًا سابغة، فاسترسل ت عليه
حتى سترت جميع بدنه، وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه، فكلما أراد
لبسها اجتمعت إلى عنقه ، فلزقت ترقوته، والمراد أن الجواد إذا ه م بالصدقة
انفسح وانشرح لها صدره، وطابت نفسه، وتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدثها
11
. بها، شحت بها ، فضاق صدره، وانقبضت يداه
قال تعالى : { يا أَيها الَّذي ن آَمنُوا أَْنفقُوا مما رزقَْناكُم من قَبلِ أَن يأْتي يوم لا بيع
{ فيه ولا خُلَّةٌ ولا شَفَاع ٌ ة والَْ كافرون هم الظَّالِ مو ن
عن أَبِي سعيد الْخُدرِ ي رضي اللهُ عنْه : عنِ النَّبِ ي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ
: صدَقةُ السر تُطْفئ َ غضب الرب ، وصَلةُ الرحمِ تَزِيد في اْلعمرِ ، وفعلُ الْمع روف
. يقي مصارِع ال سو ء
عن أَنَسِ بنِ مالِك ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِن الصدَق َ ة
. َلتُ ْ طفئُ َ غضب الرب ، وَتدَفع عن ميَتة ال سو ء
روى ابن الجوز ي في كتاب البر والصلة عن عكرمة رحمه الله قال : إن ملكا ممن
سبق ، قال لأهل مملكته : إن تصدق أحد بشيء لأقطعن يديه !فجاء رجل إلى امرأة
، فقال : تصدقي علي ، قالت : كيف أتصدق عليك والملك يقطع يد ي ك ل م ن
يتصدق ..قال : أسألك بوجه الله ، لما تصدقت عل ي ، فتصدقت عليه برغيفي ن ،
فعلم بذلك الملك ، فأرسل إليها فقطع يديها .. ثم إن الملك قال لأمه : دليني عل ى
امرأة جميلة أتزوجها ؟ قالت : هاهنا امرأة ما رأيت مثلها قط ، ولكن به ا عيب
شديد ، إنها قطعاء اليد .. فأرسل إليها ، فلما نظر إليها أعجبته ،فقال : أتريدين أن
أتزوجك ؟ قالت : نعم .. فتزوجها ، ودخل بها ، فحسدها ضرائر لها ، فخرج الملك
يقاتل عدوا ، فكتب ضرائرها إليه أنها فاجرة وقد ولدت غلاما ، فكتب الملك إل ى
أمه : خذي هذا الغلام ، فاحمليه على عنقها واضربيها ، واخرجيها من الدار إل ى
الصحراء ، وبينما هي تمشي والصبي على عنقها إذ مرت بنهر ، فنزلت لتشرب ،
فبدر الصبي عن رقبتها فوقع في الماء فغرق .. فجلست تبكي ..وبينما هي كذلك
.. م ر بها رجلان ، فقالا لها : ما يبكيك ؟ قالت : ابني كان على عاتقي ، فسقط في
الماء فغرق ..فقالا لها : أتحبين أن نخرجه لك ؟ قالت : إي والله ..قال : فدعو ا
12
الله عز وجل ، فخرج ابنها إليها ، ثم قالا : أتحبين أن نرد يديك إليك ؟قالت : نعم ،
فدعوا الله ، فاستوت يداها ..فقالا لها : أتدرين من نحن ؟ قالت : لا .. قالا : نحن
رغيفاك اللذان تصدقت بهما !.
وفي الصدقة تطهير للنفس من ال شح والبخل وتطهير للنفوس من الأحق ا د
والضغائن ، قال تعالى : " خُذْ من أَموالِهِم صدَقةً تُ َ طه ر هم وتُزكِّيهِم بِها وصلِّ عَليهِم
( إِن صَلاَت ك س َ كن لَهم واللَّه سميع عليم ( ١٠٣
وقال سبحان ه : " فَاتَّقُوا اللَّه ما اسَت َ طعتُم واسمعوا وأَطيعوا وأَنْفقُوا خَيرا لِأَنْفُسكُ م
ومن يو َ ق شُح َنفْسه فَأُولَئِك هم اْل م ْ فل حو ن ( ١٦ ) إِن تُ ْ قرِ ضوا اللَّه قَرضا حسنًا
( ي ضا عفْه َلكُ م ويغْفر َلكُ م واللَّه شَكُور حليم ( ١٧
يذكر رجل يسمى ابن جدعان وهذه القصة حدثت منذ أكثر من مائة سنة ت ق ر ي ب ا
فهي واقعية، يقول: خرجت في فصل الربيع، وإذا بي أرى إبلي سمانًا يكاد أن يف جر
الربيع الحليب من ثديها، كلما اقترب ابن الناقة من أمه درت وانفجر الحليب منها
من كثرة البركة والخير، فنظرت إلى ناقة من نياقي وابنها خلفها وتذكرت جارا لي
له بنيات سبع، فقير الحال، فقلتُ والله لأ تصدقن بهذه ال ناقة وولدها لجار ي ,
. والله يقول:" لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" آل عمران: ٩٢
وأحب مالي إلي هذه الناقة، يقول: أخذت هذه الناقة وابنها وطرقت الباب عل ى
جاري وقلت خذها هدية مني لك.. يقول: ف رأيت الفرح في وجهه لا يدري ماذ ا
يقول، فكان يشرب من لبنها ويحتطب على ظهرها وينتظر وليدها يكبر ليبيع ه
وجاءه منها خير عظيم.
لما انتهى الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه، تشققت الأرض وبدأ البدو يرتحلون
يبحثون عن الماء والكلأ، ي قول شددنا الرحال ن بحث عن الماء في الدح و ل ،
والدحول: هي حفر في الأرض توصل إلى محابس مائية لها فتحات فوق الأرض
13
يعرفها البدو، يقول: فدخلت إلى هذا الدحل لأُحضر الماء حتى نشرب وأولا د ه
الثلاثة خارج الدحل ينتظرون فتهت تحت الدحل ولم أعرف الخروج.
وانتظر أبناؤه يوما ويومين وثلاثة حتى يأسوا قالوا :لعل ثعباًنا لدغه ومات، لعله
تاه تحت الأرض وهلك، وكانوا والعياذ بالله ينتظرون هلاكه طمعا في تقسيم المال
والحلال، فذهبوا إلى البيت وقسموا الميراث فقام أوسطهم وقال: أتذكرون ناقة أبي
التي أعطاها لجاره، إن جارنا هذا لا يستحقها، فلنأخذ بعيرا أجربا فنعطيه الجا ر
ونسحب منه الناقة وابنها، فذهبوا إلى المسكين وقرعوا عليه الدار وقالوا: اخرج
الناقة، قال: إن أباكم أهداها لي، أتعشى وأتغدى من لبنها .فاللبن يغني عن الطعام
والشراب كما يخبر النبي ، فقالوا: أعد لنا الناقة خير لك ,وخذ هذا الجمل مكانها
وإلا سنسحبها الآن عنوة، ولم نعطك منها شيئًا.
قال :أشكوكم إلى أبيكم، قالوا: اشك إليه فإنه قد مات، قال: مات، كيف مات؟ ولما
لا أدري؟ قالوا: دخل دح ً لا في الصحراء ولم يخرج، قال: اذهبوا بي إلى هذا الدحل
ثم خذوا الناقة وافعلوا ما شئتم ولا أريد جملكم، فلما ذهبوا به وراء المكان الذي
دخل فيه صاحبه الوفي ذهب وأحضر حبلاً وأشعل شعلة ً ثم ربطه خارج الدحل فن ز ل
يزحف على قفاه حتى وصل إلى مكان يحبوا فيه وآخر يتدحرج ، ويشم رائح ة
الرطوبة تقترب، وإذا به يسمع أنينًا، وأخذ يزحف ناحية الأنين في الظلام ويتلمس
الأرض، ووقعت يده على طين ثم على الرجل فوضع يده فإذا هو حي يتنفس بعد
أسبوع من الضياع، فقام وجره وربط عينيه ثم أخرجه معه خارج الدحل وأعطاه
التمر وسقاه وحمله على ظهره وجاء به إلى داره، ودبت الحياة في الرجل م ن
جديد، وأولاده لا يعلمون، قال: أخبرني بالله عليك أسبوعا تحت الأرض وأنت لم
تمت.
قال: سأحدثك حديًثا عجبا، لما دخلت الدحل وتشعبت بي الطرق فقل ت آوي إل ى
الماء الذي وصلت إليه وأخذت أشرب منه، ولكن الجوع لا يرحم ,فالماء لا يكفي.
يقول: وبعد ثلاثة أيام وقد أخذ الجوع مني كل مأخذ، وبينما أنا مستل ق على قفاي
سلمت أمري إلى الله وإذا بي أحس بلبن يتدفق على لساني فاعتدلت فإذا بإناء في
14
الظلام لا أراه يقترب من فمي فأرتوي ثم يذهب، فأخذ يأتيني في الظلام كل يو م
ثلاث مرات، ولكن منذ يومين انقطع لا أدري ما سبب انقطاعه؟ يقول: فقلت له لو
تعلم سبب انقطاعه لتعجبت! ظن أولادك أنك مت جاءوا إلي فسحبوا الناقة التي كان
يسقيك الله منها، والمسلم في ظل صدقته، وكما قيل : صنائع المعروف تقي مصارع
السوء ،فجمع أولاده وقال لهم: أخسئوا، لقد قسمت مالي نصفي ن، نصفه ل ي ،
ونصفه لجاري.
وصاحب الصدقة صاحب يد عليا في الخي ر يسعد بها في الدنيا والآخ ر ة ، قال
تعالى : " من عملَ صالِحا من ذَكَرٍ أَو أُْنثَى وهو مؤْ من فََلنُ حيينَّ ه حياةً َ طيب ً ة
( وَلَنجزِينَّهم أَ جرهم بِأَحسنِ ما كَانُوا يعملُون ( ٩٧
عن َنافعٍ عن عبد اللَّه بنِ عمر - رضى الله عنهما - ؛أَن رسولَ اللَّه صل ى الله
عليه وسلم قَالَ وهو عَلى الْمنْبرِ و َ ذ َ كر الصدقَةَ والتَّعفُّ َ ف واْل م سأََل َ ة اْليد اْلعْليا خَي ر
. من الْيد ال س ْ فَلى ، فَاْليد اْلعْليا هى الْمنْفَقةُ ، وال س ْ فَل ى هى ال سائَِل ُ ة
قال الشاعر :
عن أَبِي ب ر د َ ة ي حدثُ عن أَبِي ه عبد اللهِ بنِ قَيسٍ أَبِي مو سى الأَشْعرِي ؛ أَنَّه قَالَ حين
حضره الْموتُ لِبنيه : أَي بني ! ا ْ ذ ُ ك روا صاحب الرغيف . ثُم قَالَ : َ كا ن رجلٌ في
صومعة لَه يَتعبد - أُ راه ذَكَر سبعين سَنةً ، قَالَ عفَّان : حدَثنَا حماد ب ن سَلم َ ة ، عن
عاصمٍ ؛ قَالَ : ستِّين سَنةً - لا ينْزِلُ إِلَّا يوما واحدا فَإِنَّه نَزلَ يوما واحدا . قَال :
فَشَب الشَّي َ طا ن في عينه امرأَةً أَو شَبةً ، و َ كان مع الْمرأَة سبع َليال - أَو قَال :
سبع َ ة أَيامٍ - ، ثُم كُ ش َ ف عنِ ال ر جلِ غ َ طاؤُه ، فَانْطَلَقَ تَائِبا ، َفجعلَ كُلَّما خَطَا خُطْوةً
15
سجد وصلَّى ، فَآواه اللَّيلُ إَِلى دكَّا ٍ ن عَليه اْثنَا ع َ شر مسكينًا منْضجِعين ، فَأَدركَه
اْل عياء ، فَأَلْقَى نَفْسه بين رجَلينِ منْهم ، و َ كان ثَم راه ب يَتصدقُ عَليهِم كُلَّ لَيلَة ،
عَلى كُلِّ مسكينٍ بِرغيف ، َفجاء الَّذي ي ع طيهِ م ، فَأَعطَى كُلَّ واحد منْ هم رغيفًا ، فَمر
عَلى الَّذي أَلْقَى نَفْسه بين أَظْهرِهم فَأَعطَاه رغيفًا ، َفَترك أَحدهم وهو لا يشْعر ،
فَقَالَ اْل مْت رو ك : ما َ شأُْن ك لَم تُعطني ؟ قَالَ : هلْ أَعطَيتُ أَحدا منْكُم رغيَفينِ ؟ قَالُوا :
لا واللهِ . فَقَالَ : واللهِ ! لَا أُ ع طي ك اللَّيَل َ ة َ شيئًا - أَو كَما قَالَ - . فَذَكَر ال ر جلَ فاعطاه
الآ َ خر ال ر غي َ ف ؛ َفأَصبح ال ر جلُ ميتًا ، َفوزَِنت ال سب ع َليالٍ ِبال سب عي ن سَنةً ؛ َفرجحت
ال سب ع َليالٍ ، ثُم وزِن ال ر غي ُ ف ِبال سب ِ ع َليالٍ ؛ َفرجح ال ر غي ُ ف عَلى ال سب ِ ع َليالٍ . قَالَ
. أَبو مو سى : فَأَي بني ! أُ َ ذكِّركُ م صاحب ال ر غي ف
فيوم القيامة حينما تدنوا الشمس من رؤوس الخلائق ويلجمهم ا ل ع ر ق إلجاما تأتي
الصدقة وتظلل صاحبه ا فالجزاء من جنس العمل فكما أنه أظل الفقير من ه ج ي ر
الحياة بصدقته وأخرج له أحب الأشياء إلى نفسه فان الله تعالى يكافئه بمث ل ف ع ل ه ،
قال الله -تعالى-: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن
الله به عليم
عن أَبِي الْ َ خيرِ ، أَنَّه سمع عقْب َ ة بن عامرٍ يقُولُ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه
وسلم يقُولُ: ك لُّ امرِئٍ في ظلِّ صدَقته ، حتَّى يفْصلَ بين النَّاسِ أَو قَالَ : حتَّى ي ح َ كم
بين النَّاسِ.
قَالَ يزِيد : و َ كان أَبو الْ َ خيرِ لاَ يخْ طئُه يوم ، إِلاَّ تَصدقَ فيه بِ َ شيء ، وَلو كَعكَةً ، أَو
. بصَلةً ، أَو كَذَا
ذكر أن العبد إذا قدم إلى ميزانه " :: قال ابن الجوزي في
وأخرجت سجلات سيئاته أعظم من جبال الدنيا فإذا وجدت له صدقة طيبة تصد ق
بها لم يرد بها إلا وجه الله تعالى ولم يطلب بها جزاء من مخلو ق ولا رياء ولا
16
سمعة ولا محمدة ولا شكر فإن تلك الصدقة توضع في الميزان بأمر الملك الخلا ق
فترجح على جميع سيئاته ولو كانت سيئاته مثل وزن الجبال وأنشدوا:
ففي الصدقة وقاية من عذاب النار ومن غضب الجبار ، ولن ينال المغفرة إلا من
أحسن العطاء ، قال سبحانه : " إِن اْل مسل مي ن والْمسلمات والْمؤْمنين والْمؤْمَنات
والَْقانتين والَْقانَتات والصادقين والصادَقات والصابِرِين والصابِرات والْ َ خاشعين
والْ َ خاشعات والْمَتصدقين والْمَتصدَقات والصائِمين والصائِمات والْحافظين فُرو جه م
( والْحاف َ ظات والذَّاكرِي ن اللَّه َ كثيرا والذَّاكرات أَعد اللَّه لَهم مغْفرةً وأَ ج را عظيما ( ٣٥
عن عدي بنِ حاتمٍ ، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه و س ل م : " ما منْكُم أَحد إِلاَّ
سي َ كلِّمه ربه ، لَيس بينَ ه وبيَنه تَرجمان ، َفينْ ُ ظ ر أَيمن منْه ، فَلاَ يرى إِلاَّ ما قَدم من
عمله ، وينْظُر أَشْأَم منْه ، فَلاَ يرى إِلاَّ ما قَدم ، وينْظُر بين يديه ، فَلاَ يرى إِلاَّ النَّار
. تلَْقاء وجهِه ، َفاتَّقُو ا النَّار ، وَل و بِشق َتمرة
وعن عقْب َ ة بنِ عامرٍ رضي اللهُ عنْه : عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ :"إِن الصدقَةَ َلتُ ْ طفئُ عن أَهلها حر اْلُقبو ِ ر ، وإِنَّما يسَتظلُ اْل مؤ م ن يوم الْقيامة
. " في ظلِّ صدَقته
عن سعد موَلى َ طلْح َ ة عنِ ابنِ عمر َقالَ س م عتُ النَِّبى صلى الله عليه وسلم ي حدثُ
حديثًا َلو َلم أَسمعه إِلاَّ مرةً أَو مرَتينِ حتَّى عد سبع مرات وَلكنِّى سمعتُه أَكْ َث ر م ن
ذَلِ ك س م ع ُ ت ر سولَ اللَّ ه صلى الله عليه وسلم ي ُق و لُ: َ كان الْكفْلُ من ب ن ى إِسرائِيلَ َ لا
يتَورع من ذَنْبٍ عملَه فَأَتَتْه امرأٌَة فَأَعطَاها ستِّين دينَارا علَى أَن يطَأَها فَلَم ا قَ ع د
17
منْها مقْعد الرجلِ منِ امرأَته أُرعدتْ وب َ كتْ َفَقالَ ما يبكيك أَأَكْرهتُك َقاَل ت ْ َ لا و لَكنَّه
عملٌ ما عملْتُه َقطُّ وما حمَلنى عَليه إِلاَّ الْحاجةُ َفَقالَ َتفْعلين أَنْت ه َ ذا وم ا َف ع لْ ت ه
اذْهبِى َفهِى َل ك . وَقالَ َ لا واللَّه َ لا أَعصى اللَّه بعدها أَ ب د ا. َفما َ ت من َليَلته َفأَصب ح
. مكْتُوبا عَلى بابِه إِن اللَّه َقد َ غَفر لِلْكفْلِ
كان أحد الصالحين على فراش الموت فنطق بثلاث كلمات: ليت ه كان جديد ا :
ويذهب في غفوة ويفيق وهو يقول : ليته كان بعيدا : ويذهب في غفو ة ويفيق
وهو يقول: ليته كان كاملا فرآه أحدهم في المنام فسأله عن ذلك فقال : في يوم من
الأيام كنت أمش ي وكان معي ثوب قديم فوجدت مسكينا يشتكي م ن شد ة البرد
فأعطيته الثوب فلما حضرتني الوفاة ورأيت قصرا من قصور الجنة فقالت ل ي
ملائكة الموت : هذا قصرك فقلت : لأي عمل عملته ؟؟ فقالوا لي : لأنك تص دقت
ذات ليلة على مسكين بثوب فقال الرجل : إنه كان باليا فما بالنا لو كان جديدا ليته
كان جديدا . وكنت في يوم ذاهبا للمسجد فرأيت مقعدا يريد أن يذه ب للمسجد
فحملته إلى المسجد فلما حضرتني الوفاة ورأيت قصرا من قصور الجنة فقالت لي
ملائكة الموت : هذا قصرك فقلت : لأي عمل عملته؟؟ فقالوا: لأنك حملت مقعدا
ليصلي في المسجد : فقال الرجل إن المسجد كان قريبا فما بالنا لو كان بعيدا ليته
كان بعيدا ، وكنت ف ي يوم من الأيام أمشي و كان معي بعض رغيف فوجدت مسكينا
جائعا فأعطيته جزءاً منه فلما حضرتني الوفاة ورأيت قصرا من قصور الجنة فقالت
لي ملائكة الموت : هذا قصرك فقلت لأي عمل عملته؟؟: فقالوا لي لأنك تصدق ت
ببعض رغيف لمسكين : فقلت إنه كان بعض رغيف فما بالنا لو كان كاملا ليته كان
كاملا.
وأهل الصدقة يدعون يوم القيامة من باب الصدقة ويمن الله تعالى عليهم ب ا لأ ج ر
الكبير والرضوان الأكب ر ، قال تعالى : " آَمنُوا بِاللَّه ورسولِه وأَنْفقُوا مما جعَلكُ م
" م ستَخَْلفي ن فيه َفالَّذي ن آَمنُوا منْكُم وأَنْفَقُوا لَهم أَج ر َ كِبي ر
18
عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما: قال: قال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما م ن عامل
" يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة
عن أَبِي هريرَ ة قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :من أَصبح مْنكُ م الْيوم
صائِما . قَالَ أَبو بكْرٍ أَنَا . قَالَ فَمن َتبِع مْنكُم الْيوم جَنازةً . قَالَ أَبو بكْرٍ أَنَا . قَال فَمن أَ ْ طعم مْنكُم الْيوم مسكينًا . قَالَ أَبو بكْرٍ أَنَا . قَالَ فَمن عاد مْنكُم الْيوم مرِيضا .
قَالَ أَبو بكْرٍ أَنَا . فَقَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما اجَتمعن فى امرِئ إِلاَّ
. د َ خلَ اْل جنَّة
عن أَبِي هريرَ ة ، أَن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: م ن أَنْفَقَ زوجينِ في
سبِيلِ اللهِ ، نُودي في الْجنَّة ، يا عبد اللهِ ه َ ذا خَي ر ، فَمن كَان من أَهلِ الص َ لاة دعي
من بابِ الص َ لا ة ، ومن َ كا ن من أَهلِ الْجِهاد دعي من بابِ الْجِهاد ، ومن كَان م ن
أَهلِ الصدَقة دعي من بابِ الصدَقة ، ومن َ كا ن من أَهلِ ال صيامِ دعي من بابِ ال ريانِ
، فَقَالَ أَبو بكْرٍ الصدي ُ ق : يا رسولَ اللهِ ، ما عَلى من يد عى من هذه الأَبوابِ م ن
ضرورة ، فَهلْ يد عى أَحد من هذه الأَبوابِ كُلِّها ؟ قَالَ : َنع م ، وأَرج و أَن تَكُون
. منْهم
إذن فالصدقة سبب للهداية والفلاح و السعادة في الدنيا والآ خ ر ة ، وحصول الخي ر
والبركة ، وسبب للمغفرة وتكفير الذنوب ودفع ميتة ال س و ء ، والنجاة من النا ر
وإطفاء غضب الرب، وطريق إلى دخول الجنة .
19
ثانياً : من آداب الصدقة :
قال تعالى : { يا أَيها الَّذي ن آَمنُوا أَْنفقُوا من َ طيبا ت ما كَ سبُتم ومما أَخْرجنَا َلكُ م من
الأَر ِ ض ولا َتيمموا الْخَبِيثَ منْه ُتْنفُقو ن وَل سُت م بِآَخذيه إِلا أَن ُت ْ غم ضوا فيه واعلَموا
{ أَن اللَّه غَن ي حميد
وعن أَبِي اْل حبابِ ، سعيد بنِ يسارٍ ، قَالَ : سمعتُ أَبا هريرَ ة يقُولُ : قَالَ رسولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم:والَّذي نَفْسي بِيده ، ما من عبد يَتصدقُ بِصدَقة م ن كَسبٍ
طَيبٍ ، و َ لا يقْبلُ اللهُ إِلاَّ َ طيبا ، و َ لا يصعد إَِلى ال س ما ء إِلاَّ طَي ب ، فَيضعها في حق ،
إِلاَّ َ كا ن كَأَنَّما يضعها في يد ال ر ح ما ِ ن ، َفي رب